البحث

يا عبد الله ياخويا سماح - محمد رشدى

مقال للناقد الفنى: طارق الشناوى بجريدة الدستور الأصلى بتاريخ 2-7-2010.

في حياتنا الغنائية أغنية استثنائية ربما لا يذكرها كثيرون وهي «يا عبدالله ياخويا سماح» التي كتبها «حسن أبو عتمان» ولحنها «بليغ حمدي» وغناها «محمد رشدي» قبل أكثر من 30 عاماً تقول كلماتها «يا عبدالله ياخويا سماح وسيبك م اللي عدي وراح.. تعالي نعيش أنا وأنت في دنيا كلها أفراح وسيبك م اللي عدي وراح» وهكذا لامست كلمات الأغنية الرغبة السياسية للتمهيد للسلام مع إسرائيل لأن «عبدالله» هو الإسرائيلي ؟!
كان «بليغ حمدي» صديقاً للرئيس «أنور السادات».. نعم الرئيس الراحل كان يعشق أغنيات «أم كلثوم» وصوت «فريد» وألحان «عبدالوهاب» إلا أنه مع «بليغ» شيء آخر.. «السادات» كما ذكر لي شقيق «بليغ» الأكبر «د. مرسي سعد الدين» متعه الله بالصحة كان دائماً ما يستدعي «بليغ حمدي» إلي بيته حتي قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية ويجلس الاثنان علي الأرض، ويبدأ «بليغ» الدندنة والعزف والغناء وكثيراً ما كان «السادات» يردد وراءه بعض المقاطع الغنائية وبالمناسبة «بليغ» واحد من أرق الأصوات وكثيراً ما استمعت لتسجيلاته لعدد من الأغنيات التي لحنها لأم كلثوم مثل «بعيد عنك»، «سيرة الحب»، «الحب كله».. وله تسجيل لأغنية عبدالحليم «تخونوه» حيث يجمعه «دويتو» مشترك لهذه الأغنية مع «وردة».. ربما لم تتحقق الشهرة ل«بليغ» في دنيا الغناء رغم أن بدايته كانت في عالم الطرب حيث غني لعدد من الملحنين لم يستطيعوا تحقيق شهرته مثل «فؤاد حلمي»، «عبدالعظيم محمد»، «رؤوف ذهني» إلا أنه تحققت له الشهرة بعد ذلك كملحن استثنائي في تاريخنا الغنائي كله .. «بليغ حمدي» مثل جموع المصريين عندما عقد «السادات» اتفاقية «كامب ديفيد» اعتقد أن الحروب قد انتهت وأننا سوف نسترد أرضنا وتحصل فلسطين علي حقوقها المشروعة وتعود الجولان إلي سوريا.. هذه هي الآمال التي ارتبطت بطريق السلام.. كان كل شيء في مصر يتغير حتي السلام الوطني من «والله زمان يا سلاحي» والذي تحمل كلماتها الدعوة إلي تحرير الأرض والذود عنها بقوة السلاح إلي التغني بحب البلد «بلادي بلادي لكي حبي وفؤادي».. وزارة الحربية صار اسمها وزارة الدفاع.. هذه التفاصيل تؤكد أن هناك اتجاهاً سياسياً بخطوات واسعة للسلام.. كانت أحلام المصريين قد وصلت للذروة ترسم لهم ملامح قادمة للرخاء.. عبر عن ذلك «بليغ حمدي» بتلك الأغنية «يا عبدالله يا أخويا سماح» التي لم تقل شيئاً مباشراً، وأيضاً لم يطلب أحد أن يتم إعلان ما الذي توحي به كلمات الأغنية من نسيان كل ما حدث في الماضي مثل «سماح وأهل السماح حلوين.. تعالي نزرع البساتين» وهكذا منحت الأغنية ضوءاً أخضر لدعاوي السلام من خلال أجهزة الإعلام التي لم تتوقف عن إعادة بث الأغنية عشرات المرات.. كان كل شيء يتغير في مصر.. الفنانون الكبار مثل «بليغ حمدي» الذي كان يلحن لعبدالحليم وبكلمات محمد حمزة «فدائي فدائي أهدي العروبة دمائي وأموت أعيش ما يهمنيش وكفاية أشوف علم العروبة باقي».. والذي غني له «عبدالحليم حافظ» أيضاً في أعقاب هزيمة 67 رائعة عبدالرحمن الأبنودي «عدي النهار والمغربية جاية تتخفي ورا ظهر الشجر وعشان نتوه في السكة شالت من ليالينا القمر».. واكبت هذه الأغنيات بداية حرب الاستنزاف و«بليغ» قدم أشهر أغاني الانتصار في 73 «علي الربابة بغني» بصوت «وردة» وشعر «عبدالرحيم منصور» وأقام داخل استوديوهات الإذاعة أثناء الحرب.. ثم صار عليه بعد عام 79 أن يغني للسلام مع إسرائيل؟!
لا يمكن أن نحيلها إلي تلك المعادلة وهي أن الفنان صوت للسلطة وليس أمامه أي بديل آخر وإلا سوف يتم قطع النور والكهرباء فهو لا يستطيع أن يتنفس إبداعياً إلا من خلال الدولة.. ولم يكن هناك فن مواز للدولة إلا فقط الثنائي «أحمد فؤاد نجم» و«الشيخ إمام» حيث يتم تداول الأغنيات علي أشرطة الكاسيت مع تعتيم إعلامي كامل ووقتها بالطبع لا يوجد فضائيات من الممكن أن تلقي بعض الضوء.. «بليغ» لم يحسبها من منطلق مصلحته أو اسمه الفني.. لا أتصور «بليغ حمدي» قد حسبها هكذا ولكنه مثله مثل ملايين من المصريين كان يري علي البعد رخاءً قادماً وبدأت أحلام اليقظة تداعب المصريين بأن كابوس الصراع العربي الإسرائيلي هو الذي استنفد مواردنا وأننا ندخل في معارك ليس من أجل حماية الأمن القومي المصري ولكننا نستنفد طاقتنا لتحرير فلسطين ولم يسع أحد لكي يوضح لنا أننا نسعي لتأمين حدودنا الشرقية والنغمة التي كانت سائدة وقتها هي أننا ندفع دماء أبنائنا الغالية من أجل فلسطين وصدق أغلب المصريين كل هذه الدعاوي.. إلا أننا في عز هذه الأحلام انطلق وعي الفنان المصري مؤكداً أن خط الدفاع يبدأ بالثقافة ولن يستسلم المبدع المصري.. كانت مصر هي أول دولة عربية تعقد اتفاقية سلام مع إسرائيل ورغم ذلك انطلق صوت المعارضة من مصر أولاً ليتحول إلي حائط صد لكل النقابات الفنية.. أقول ذلك بعد أن تعددت الآن الاختراقات وأصبحت سياستنا الثقافية «الباب الموارب».. كان موقفاً لا ينسي عندما تقرر عام 1980 إقامة جناح لإسرائيل بمعرض القاهرة الدولي للكتاب.. الشاعر الكبير «صلاح عبدالصبور» رئيس هيئة الكتاب وقتها لم يكن يريد أن يسمح بالمعرض ولكن في الوقت نفسه كان يعلم أنه لو رفض سوف يفقد منصبه.. والرئيس «السادات» كان في مثل هذه الأمور لا يتمتع بأي قدر من المرونة وهكذا أثناء مفاوضات السلام مع إسرائيل استبدل وزيري الخارجية حتي يصل إلي توقيع الاتفاقية، ومن السهل في هذه الحالة أن يضحي برئيس هيئة الكتاب ويتم تغييره فسوف يجد «السادات» أكثر من مثقف يوافق علي إقامة المعرض.. أراد «صلاح عبدالصبور» أن يحافظ علي موقفه السياسي الرافض لإسرائيل علي ألا يؤدي ذلك لأن يفقد منصبه وبدأ في التأكيد علي أن هناك خطأ شكلياً فقط حال دون اشتراك إسرائيل في المعرض؛ لأنها تقدمت بعد الموعد النهائي ولكن جاء قرار «السادات» قاطعاً بضرورة اشتراك إسرائيل بالمعرض، ولم تهدأ الثورة ضد هذا القرار وقامت السينما التسجيلية بتصوير هذا الحدث في فيلم قام بتوثيقة المخرج الراحل «حسام علي».. ولم تتوقف المحاولات لاختراق الصف إلا أن الصورة العامة هي أن هناك موقفاً مشتركاً وهو لا لأي وجود إسرائيلي من خلال باب الثقافة.. ومن تحمس في لحظة ما عاد مرة أخري وأعاد التفكير.. باقي حكاية «بليغ حمدي».. هذا الموسيقار العبقري تعرض إلي وشاية قاتلة عام 86 تناقلتها الصحف باسم فضيحة «سميرة مليان» وهي فتاة مغربية حسناء ألقت بنفسها عارية من منزله في الطابق الثالث في حي المهندسين.. وانتهت القضية إلي حكم يقضي بعقوبة السجن لمدة عام بتهمة تسهيل دعارة.. وقبل إصدار الحكم كان «بليغ» قد عرف فحواه وسافر خارج الوطن وتكالبت عليه الأمراض وأصابت كبده وعاد إلي مصر عام 91 قبل رحيله بعامين وحاول أن يصمد إبداعياً وشخصياً ولكن سنوات الغربة أخذت الكثير من «بليغ حمدي» الذي عرفناه.. «بليغ» لا يطيق القيود يسافر في أي لحظة ولهذا كانت العقوبة بالسجن بالنسبة له هي الموت.. إلا أنه لا يطيق الهجرة فهو عاشق للوطن عندما يسافر بعيداً عنه يشعر بالحنين إليه ويسرع عائداً إليه في أي لحظة، ولهذا كانت سنوات الغربة التي قضاها ما بين لندن وباريس عقاباً قاسياً لم يستطع أن يعود إلي وطنه إلا بعد تدخل الرئيس «مبارك» وتم استقباله شعبياً بمطار القاهرة حيث حرص عشرات من الأصدقاء أن ينتظروه، وجاءت التعليمات لوزير الداخلية الأسبق «عبدالحليم موسي» بأن يعود «بليغ» إلي بيته حتي يتم مثوله أمام المحكمة، في اليوم التالي حصل علي البراءة ولكن المرض كان قد تمكن منه ولم يجد علاجه إلا في مستشفي في «تل أبيب» عرضوا عليه اجراء عملية جراحية هناك جاءت إجابته قاطعة «ما الذي أقوله لشقيقي الشهيد صلاح الذي دفع دماءه ثمناً لتحرير الأرض في 73» ورفض وانتظر الموت في القاهرة!!
لماذا أروي الآن هذه الحكاية التي أكدها لي صديق «بليغ» الأقرب الإذاعي «وجدي الحكيم»؟! لأننا كثيراً ما نستمع إلي من يقول: ولماذا لا نفتح الباب لإسرائيل لتعرض الأعمال الفنية التي تنتقد الصلف الإسرائيلي؟! الجانب الإيجابي منها هو أننا ندعم الذين يؤيدون السلام ويرفضون الحرب ويتناسي هؤلاء أننا لا نملك في مواجهة إسرائيل الآن إلا سلاحاً واحداً وهو الوقوف ضد التطبيع الثقافي.. مهما صدروا لنا أحلاماً كاذبة أن السلام يحمل آمالاً مشرقة، تذكروا دائماً أن «بليغ حمدي» الذي تغني بعد اتفاقية السلام قائلاً «يا عبدالله يا خويا سماح» هو نفسه الذي قال لا لن أذهب للعلاج في تل أبيب ما الذي أقوله لشقيقي الشهيد «صلاح»!!


بودعك

الموسيقار بليغ حمدى مع الفنانة وردة

كتب: مى منصور
يعرف الجميع قضية «سميره مليان« الفضيحه التى هزت مصر عام1984 وتحولت إلى قضية رأى عام حكم على بليغ حمدى فيها بالسجن، واضطر الى قضاء سنوات مريره فى الغربه الى ان ثبتت برائته فى النقض لكن بعد ان دمرته التجربه نفسياً وبدنياً وقضت التغريبه على تألقه الفنى وفيضانه الإبداعى.
كثيرون لا يعرفون ان القاضى الذى حكم على بليغ حمدى بالسجن
_بعد ان قام بتوصيف القضيه على انها تسهيل دعارة وفجور فى مخالفة صارخه لما حصل فعلاً _كان قاضيا إخوانياً بإمتياز وينتمى للجماعه الشهيرة بلا مواربة، اذ كان احد أنجال مرشد الجماعه السابق المعروف المستشار حسن الهضيبى! وتعامل القاضى مع القضيه من أرضيه دينية منطلقاً من مواقف الاخوان الثابتة الرافضة للفن الناظرة الى اهله بريبه ولا هم لهم إلا إفساد الأخلاق وإلهاء الناس ونشر الرذائل.
اما عن موقف ورد
ة من القضية فكان محسوماً بعد ان عرفت الحقيقة بتفاصيلها من (صباح) مديرة منزل بليغ التى رأت كل تفاصيل الليلة المشئومة واصبحت فيما بعد مساعدة لوردة وعاشت معها فى بيتها بعد رحيل بليغ.
من صباح عرفت
أن بليغ يومها كان يستضيف وزير التجارة المغربى ورئيس هيئة المطارات ف المغرب وزوجتيهما، الدعوة كانت موجهه الى اقرب الاصدقاء وكانت وردة واحده من المدعوين ولكن لم تتح لها الظروف الحضور، وكانت السهره عادية وكل شئ على ما يرام الى ان فوجئت صباح بمن يدق الباب ووجدته صديقاً خليجياً لبليغ ومعه المطربة سميرة مليان،تركها الصديق وإنصرف لإرتباطه بموعد على ان يمر ليأخذها فيما بعد، دخلت صباح لتخبر بليغ فطلب منها ان تعتذر للضيفة غير المرغوب فيها ولكن سميرة مليان رجت صباح البقاء على وعد بألا تسبب اى إزعاج، ثم عاد الصديق الخليجى ومعه شاعرة جزائرية ودخل ليجلس مع بليغ وضيوفه وهو الامر الذى استفذ سميرة واعتبرته جرحا لكرامتها كأنثى فأنهارت واصابتها حالة من الهياج العصبى والغضب الشديد ودخلت الى حيث يجلسون وبدأت فى الإتيان بتصرفات إنتقاميه من صديقها ففسدت السهرة وإنصرف الضيوف ودخل بليغ لينام، وبقيت سميره مع صباح وهى فى حاله عصبيه فألتقته صباح بصديق سميحه ساخطة وقالت له: "تعالى خد المصيبة هدى من هنا" وعاد الصديق ونشبت بينهم مشاجرة ساخنة انتهت بأن ألقت سميرة نفسها من الشباك، واستيقظ بليغ على الضجة وإرتبك من الموقف ولم يكن يعرف كيف يتصرف فى تلك المصيبه ورحل على باريس، وكانت وردة واثقه تمام الثقة من براءة بليغ وانه كان نائم وقت الحادث، وذهبت لتزوره اكثر من مره فى باريس وكان يكلمها ويعرض عليها آخر الحانه وتغنيها له مثل اغنية «بودعك»، وكانت وزارة الداخليه فى ذات الوقت بقيادة اللواء ذكى بدر تطلب من وردة الغناء فى عيد الشرطة ولكن ورده رفضت تماما الى أن اخذت وعد من وزارة الداخليه بألا يضعوا بليغ فى السجن والا يقبضو عليه فى مطار القاهرة، ووفت الداخليه بوعدها حتى بعد إقالة ذكى بدر المفاجئة فى ذلك الوقت! وعاد بليغ من بيته إلى المطار وذهب فى الصباح الى المحكمه حيث حصل على البراءة عام 1989.
و
أول شئ فعله بعد خروجه من المحكمة هو زيارة وردة فى بيتها، ظلت ورده هى حبه الكبير وهو حبها الأول والأخير ولم تتزوج بعده، وبعد أن علمت بخبر مرضه بسرطان الكبد ذهبت لتمكث معه فى مستشفى كليوباترا وقامت هى بدور الممرضه وانهارت عند رحيل بليغ حمدى.